تاريخ الفكر الأدبي عند العرب

القلم : محمد حنيف

أ‌.        مقدمة

كل عصر تقتضي إشكاليات فكرية واجتماعية، وتفاعلات أدبية وفنية خاصة به، منها ما هو مطروق سابقاً ومنها ما هو مستجد؛ تصنع للعصر الذي تنمو فيه تمايزاً يجعله مختلفاً عن العصور الأخرى، وفي نظرة عجلى إلى تاريخ الأدب العربي في عصوره المختلفة من خلال قضاياه التي مايزت عصراً عن الآخر نكتشف أن هذه القضايا الظواهر أثير بعضها من النقاد، وبعضها من الأدباء، وقسم انتُبه إليه في عصره، وقسم في عصور لاحقة بحيث يمكن أن تشكل هذه القضايا روائز نستطيع أن ندرس من خلالها الأدب في كل عصر، وما تفرد به عن سواه.

لا تسلم قضية مما سبق في أسباب ظهورها أو تجليات هذا الظهور من التداخل والتقاطع مع القضايا الأخرى أياً كان العامل الرئيس في ظهورها سواء أكان من إفرازات الواقع، أو بفعل المثاقفة مع الغرب، أو التفاعل مع التراث.

          إن كلمة تاريخ توحى إلينا بلا شك بالماضى، والماضى لايصبح تاريخيا إلا إذا فهمناه تاريخا للإنسان وجوده، بينما الأدب فن من فنون التعبير الإنساني. وما دامت كلمة تاريخ تحمل معنى الماضى الإنسانى.، بينما كلمة أدب تحمل معنى فن تعبيرري إنساني، فإنه (اى تاريخ الأدب) يعنى دراسة الماضى الإنسانى كمايصوره الأدب. وقد يكون لكلا الكلمتين استعمالات او دلالات خاصة فى مجلات نقدية  أو علمية عديدة، ولكن من المؤكد أن أبسط تعريف لتاريخ الأدب ، هو أن يقال أنه دراسة الماضى الإنسانى لفن الأدب.

          ولنحاول أن نتوقف عند بعض التعريفات المختلفة “لتاريخ الأدب” لدى جماعة من المتخصصين حتى نقف على دلالة هذا المجال وأهم خصائصه من جهة ثم ننتقل إلى معالجة مناهج بحثه من جهة أخرى. ولنبدأ أولا بهذا التعريف الذى يقدمه لنا الناقد الانجليزى المعروف سبيلر Spiller حيث يقول ” يعنى تاريخ الأدب أولا وقبل كل شيئ، وصف و تفسير أدب شعب من الشعوب فى لحظة تاريخية محددة”، ويضيف قائلا :” إن تاريخ الأدب ليس تاريخ اللغة، وليس تحقيقا للنصوص، وليس نقدا أدبيا، و إن كان يحتم على مؤرخ الأدب أن يكون ملما بإطراف هذه المجالات”، وعلى ضوء هذا القول لايد لكل دارس لتاريخ الأدب أن يحدد طبيعة الآثار الأدبية وعصرها ووسطها وعلة ظهورها، فهو- اي المؤرخ للأدب- كالمؤرخ الفكرى أوالثقافى أو الحضارى، يكتب تاريخ الإنسان على ضوء فكره أونظامه الفكرى أوالثقافى.

ب‌.     نشأتها

نشأت اللغة العربية فى أحضن جزيرة العرب خالصة لأبنائها، نقية سليمة مما يشينها من أدران اللغات الأخرى، ولبثت كذلك أحقابا مديدة، كان العرب فيها يغدون ويروحون داخل بلادهم- على ماهم عليه من شظف العيش- غير متطلعين إلى نعيم الحياة وزخارفها فيما حولهم من بلاد فارس والروم وغيرها، وإن دفعتم الحاجة إليها أحيانا، وتبادل المنافع أحيانا أخرى.

لغة العرب من أغنى اللغات كلما، وأعرقها قدما، وأخلدها أثرا، وأرجحها صدرا، وأدومها على غيسر الدهر محاسنة وصبرا، وأعذبها منطقا، وأسلسها أسلوبا، وأروعها تأثيرا، وأغزرها مادة، وأوسعها لكل مايقع تحت الحس، أيجول فى الخاطر، أويجول فى الخاطر : من تحقيق علوم، وسن قوانين، وتصوير خيال، وتعيين مرافق. وهي على هندمة أوضعها، وتناسق أجزائها، لغة قوم أميين، لم يكونوا فى حكمة اليونان، ولا صنعة الصين، بادوا وبقيت بعدهم سائرة مع مل جيل، ملائمة لكل زمان ومكان، لولا روح عظيم ماخلدت ودرج أقرانها، وأنفت واستخذى سلطانها.

فالعرب قبل الإسلام كانوا موحدين بدعوة إبرهيم ثم سقطوا فى الوثنية، وظل طبيعة التوحيد قائما فى أعماق الكثيرين منهم، وقد ظلت طائفة تتعبد على دين إبرهيم حتى جاء الإسلام، ومن هنا فإن كل ما لديهم من طوابع الإيمان والخلق والكرم وإنما صدر عن ذلك الأصل القديم ثم جدده الإسلام وأعطاه مضمونا رباني الطابع إنسانى المظهر.

ت‌.     خصائص الأدب العربي

لاريب أن خصائص الأدب العربي التى تميزه عن الآداب العالمية : شرقه وغربه، ترجع إلى البيئة التى نشأفيها والفكر الذى تشكل فى إطاره الأصول التى استمد منها وجوده والتحديات التى واجهته فى طريق مساره الطويل. ولا ريب أن أدب أي أمة مرتبط دائما بلغتها فهو فى مصطلح الفنى (أدب اللغة) وهو بانسبة للأمة العربية : أدب اللغة العربية. وأدب أي أمة هو بتاج عواطفها ومشاعرها وعقولها، وهو عصارة مزاجها النفسي وطابع روحها وهو فى نفس الوقت مرتبط بهذه الأمة : أرصها وسمائها وقيمها وتقاليدها، أحداثها ومجتمعها، فهو عصارة وجهة نظرها فى الحياة مستمدة من داخلها ومن هنا كان الأدب أدب أمة وأدب لغة لأنه يستمد وجوده من مشاعر هذه الأمة وطوابعها الروحية والعقلية والنفسية، ويستمد وجود من اللغة التى لاتكتب بها ولكل لغة مفاهيمها ومعانى كلماتها وخصائص الذاتية. والأدب الأصيل عالمي بطبعه من حيث نزعته الإنسانية لامن حيث انصهاره فى نموذج واحد، والطابع الإنساني للأدب لا يخرجه عن ذاتيته كأدب أمة خاصة ولايدمجه فى غيره من الأدب تحت ما يسمى عالمية الأدب. والأدب العربي أدب أمة عريقة وأدب لغة عريقة أيضا، وهو أدب لم يتشكل فى صةرته الحقيقة إلا منذ ظهور الإسلام، الذي جمع العرب فى الجزيرة العربية فكان عاملا فى تحويل القبائل العربية إلى أمة تامة، وبذلك يمكن القول بأن الأدب العربي قد تشكل فى صورته الحقيقة بالإسلام، ولا يمنع هذا من وجود ديوان الشعر القديم ومايتصل به من أسجاع الكهان وهي فى مجموعها لاتشكل صورة الأدب بمفهومه الفني ولا بمعالمه الأصلية التى وضحت بعد نزول القرأن : الذي كان هو العامل الأعظم فى بناء الأدب وظهور فنونه وعلومه ومناهجه واللغة العربية سابقة على الإسلام وهي عمادوجود الأمة العربية، وهي لغة تطورت ونمت خلال مئات السنين وصلت إلى صورتها التى عرفت بها قبيل الإسلام، وإن ظلت لبها لهجاتها المختلفة المتعددة، فلما نزل القرأن انصهرت اللغة اعربية فى لهجة واحدة، ثم كان أن أعطاها القرآن كما أعطى الأدب العربي هذا البيان المعجز الفائق الذي فهمه العرب وأعجبوا به وعجزوا فى نفس الوقت عن الإتيان بمثله.

إذن يمكن القول بأن أدب أمة يشكله : ضمير الأمة + القيم الفكرية والروحية  التى تعتنقها+جوهراللغة. وفى مجال أدب اللغة العربية نجد الأمة العربية لم تكن قائمة قبل الإسلام فى الجزيرة العربية وإنما كانت مجموعة من القبائل المختلغة المتصارعة التى لم تجتمع تحت أي لواء سوى الإسلام، ولكنها كانت ذات قيم وتقاليد ولها طابعها الذى أورثه إياها مكانها فى هذه الجزيرة شبه المنعزل عن حضارتي عالمها : حضارتي الفرس والرومان، هذا الطابع البدوي الخاص الذى أهلها لتلقي رسالة إنسانية كالإسلام فقد حماها وجودها المنعزل عن أن تذوب فى مقارف الحضارات وانحلالها ومكن لها من تنمية قيمها وهي بقايا الحنيفية (دين إبرهيم) التى تمثل كل ماكان عند العرب فى الجاهلية من خلق يقوم على الأريحية والمروءة وإن خالطها كثير من فساد عادات الثأر ووأد البنات والشرك وعبادة الأصنام والإستعلاء والتفاخر، فلما جاء الإسلام حرر هذه النفس العربية من جاهليتها وصاغ كثيرا من طوابعها صياغة جديدة وحول أهداف الكرم وحماية الزمان والنجدة فأعطاهما مفهزما متجددا هو مفهوم التوحيد الأول واستبقى قدرتها على المجالدة والحمية ووجه ذلك كله إلى هدف أسمي تحت لواء عقيدة التوحيد الخالص. وبذلك محى عنها درن الجاهلية وحرر قيمها التى كانت عماد القوة الكبرى التى اندفعت فى الأرض ترفع راية الإسلام وتعلن اسمه وتمد نفوذه من حدود الصين إلى حدود فرنسا. كل هذه العوامل أعطت أدب اللغة العربية ذاتية خاصة وطبعته على نحو خاص يختلف به عن أدب الأمم الأخرى فظهرت فنون لم توجد فى الآدب الأخرى واختفت فنون وجدت فى الآدب الأخرى. إن مذاهب الأدب التى يحاول النقاد محاكمة الأدب العربي عليها هي فى جملتها مذاهب غربية وضعت مسمياتها ومناهجها بعد قيام ظواهرها فى الآداب الأوربية، وهي فى الحق ليست كذاهب وإنما هي أسماء عصور : كالكلاسيكية والرومانتيكية وغيرها.

أما ناحية أصول الأدب نفسه : أصول الشعر والنثر والقصص والتراجم فلماذا يخضع الأدب العربي لقواعد مستمدة من آداب تختلف عن الأدب العربي : مزجا وشكلا وكابعا. وهل يمكن أن يقال إن هناك أصولا يضعها الأربيون لتخضع لها الآداب فى العالم كله.

إن إختلاف المصادر والمنابع بين الأدب العربي والآداب الغربية يجعل من العسير خضوع الأدبين لمقاييس  واحدة أو لقوانين واحدة، والمعروف أن الآداب الغربية جميعا تستمد مصادرها من الأدب الهليني والفلسفة اليونانة والحضارة الرومانية، فقد اتجه الأدب الأوربى الحديث منذ أول ظهوره فى عصر النهضة إلى هذه المنابع وربك نفسه بها وجعلها أساس ثابتا لمختلف وجهات نظره ومفاهيمه و قيمه. واتخذ من النظرات التى قدمها أرسطو فى الأدب والنقد والشعر وغيره أساس له.

ث‌.     الفكر الذي تشكل الأدب العربي

تحتاج مناهج الدراسات الأدبية فى صورتها الحالية تطورات جديدة تشبه تلك التطورات التى اجتازاتها فى اواخر القرن التاسع عشر، ووجه الشبه بينهما هو هذه النظرة الوضعية التى تحلل نمطا عريض من انماط الأدب، على ضوء مفاهيم ومناهج العلوم الإنسانية والتجريبية. والباحثون منقسمون فيما بينهم تجاه هذه النظرة الوضعية. فهناك فريق يرى ضرورة تحليل الآثار الأدبية تحليلا عقليا ويرى ايضا ضرورة انشاء علم مستقل للأدب وفريق أخرى يرى أن هذه النظرة الوضعية تقضى على خصوصيته، وتحيله إلى اجزاء مفتتة. وقد اوردناها مبسطة موجزة هي مظاهر الإتجاه العام لمناهج الدراسات الأدبية المعاصرة. لكن ما هي الدراسة الأدبية؟ يجب ويليك بأنها ان لم تكن بالضبط علما فهي نمط من انماط المعرفة تنهض على مجموعة من الأسس العقلية التى يتبناها دارس من الدارسين للوصول إلى فهم وتفسير ظاهره من الظواهر الأدبية.

فمناهج الدراسات الأدبية فى المرحلة الراهنة تمضى الآن نحو منطلق جديد. والواقع أن ظهور تطورات جديدة فى حياة الفرد والمجتمع يؤدى إلى تجديد فى فن و الأدب، وهذا يفرض على الباحث أو الناقد نظرة جديدة تسمح له بالتكيف مع الواقع الأدبي الجديد.

أما الفكر الذى تشكل الأدب العربي فى إطاره فهو القرآن أما أدة هذا الفكر فهي اللغة العربية ويقوم هذا الفكر على أساس التوحيد الخالص. فقاعدة الإسلام الأزلية هي الإعتقاد بوجود الله الواحد الأحد الذى لا يتغير بتغير الزمان والمكان، فالله سبحانه وتعالى خالق الكون وهو الذى يمسك هذا النظام المترابط فى كل لحظة بحيث لو تخلي عنه لتلاشى وانتهى وهو القائم على كل نفس بما كسبت. ثم هو عالم الغيب والشهادة، وهوالذى يقضى على هذا النظام متى شاء ثم يبعث الناس فى العالم الآخر من أجل الحساب والجزاء. هذا المفهوم هو أس الأساس فى الفكر الإسلامي، ومن ثم فهو لب الأدب العربي. والإنسان فى نظر الإسلام مستخبف فى الأرض، له طبيعته الأصيلة الجامعة بين الروح والجسم والعقل والقلب وهي طبيعة متكاملة لا تضارب فيها ولا صراع ولذلك فقد أقر الإسلام رغباته المادية وأشواقه الروحية وجعل له ضوابط تحول بينه وبين الإ نحراف إلى اعتزال الحياة أو الإنهيار والتحلل وأقام له منهجا وسطا كريما يجعله قادرا على أداء مسؤليته، والقيم على أمانته، ومواجهة ماتجبهه به القوى  المخبلفة من تحديات، ولذلك فقد جعل سعيه فى الحياة مرتبطا بالجزاء فى الآخرة وأعطاه المسؤلية الفردية والإلتزام الخلقي لكي يواجه العالم من منطلق الكرامة وجعل مسيرته كلها خالصة لله.

ولقد كان تحرك الفكر الإسلامي والأدب العربي أساسا، إنما يجري فى نطاق القرآن فإذا خرج عنه وقع الجرح الذى لا يرفع إلا بالعودة إليه. ولقد كان التأويل من أخطر الأسلحة التى استعملت لتفسير النصوص تفسيرا يحججها عن مدلوتها الأصيلة إلى المفاهيم المنحرفة. ولقد حذر القرآن المسلمين من هذا الخطر وأولى الرسول هذا الأمر اهتماما كبيرا حتى لايقع المسلمون  فى محاذيره فيخرجوا عن أصول دينهم الجامعة الواضحة. وهناك محاولة لزلزة النص الإسلامي القائم على القرآن و السنة. ولم يكن يملك العرب قبل الإسلام ترثا حقيقيا فى مجال الأدب والفكر حتى جاء القرآن فأعطى البشرية كلها هذه الحصيلة الضحمة من الضياء الكاشف لمناهج الحياة والمجتمعات وبناء الإنسان. وليس القرآن فى الحقيقة كتاب دين   كمايقولون ولكنه المصدر الأساسى للفكر الإسلامي والثقافة العربية وهو يتسم بالشمول والتكامل، وأعظم مناهجه : العقيدة والشريعة والأخلاق، استمدادا من حقيقة هي أصيلة هي أن الإسلام ليس دينا عباديا ولكنه دين ومنهج حياة. ولقد حفظ الله من يطرأ عليه تبديل أو تغيير أو تحريف مما أصال الكتب السابقة فهو الوثيقة الخالدة (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ولقد أمد القرآن العلوم والآداب ةالفنون كلها. فقد قدم للمسلمين علوم الدين : ورسم الخطوط العامة للفكر الإنسانى وأصل المناهج والقيم فى مجال السياسة والاجتماع وقدم منهج المعرفة ذو الجناحين: الرحي والمادي، وأعطى البشرية منطلق النظرة العقلية والعلمية على أساس الفطرة وطالب بالبرهان وأنكر الأساطير وزيف الخرافات والأوهام وحرر البشرية من عبودية الفرعون والقيصر والامبرطور، كما حرر العقل البشري من الوثنية التقليد والتبعية والمادية جميعا.

ومن هنا فمن الزيف قول القائلين بالفصل بين العلوم الدنيوية فى الإسلام. وقد حفظ القرآن رابطة الفكر والبيان بين الشعوب الإسلامية وغيرها من الشعوب وحفظ اللغة العربية من أن تتمزق إلى لهجات. وهو الذى نشر اللغة العربية فى الآفاق حتى وصلت من الصين إلى فرنسا، وهو الذى حفظ اللغة العربية لسانا مبينا لأصحابها خلال أربعة عشر قرنا.

وأبرز مفاهيم البيان العربى : الوضوح الصادق حيث لاتأويل ولاغمضة ولا ظلال ولارمز وحيث لايحمل اللفظ أكثر ممايطيق ولايؤدى أكثر من معنى والأمر فيه إما باطل وإما حق، ولن يكون الإثنين معا. ومن هنا فإن أبرز مفاهيم الإسلام هو أن تعاليمه وحدة متكاملة لا يصح تجزئتها أو تفثيتها. واللغة العربية بهذا المفهوم ليست لغة للعرب وحدهم، ولكنها لغة فكر وثقافة ودين لألف مليون من المسلمين ومن هنا فمن العسير مقايستها   وفق مفهوم اللغات الغربية، وليس فى استطاعة العرب وحدهم التصرف بها أو عزلها عن مستواها القرآني وطابعها الاسلامي. وعند هاجم الامام الشافعي المنهج الأرسطى قال أنه يستند إلى خصائص اللغة اليونانية وهي مخالفة لخصائص اللغة العربية.

ج‌.      الأصول التى يستمد منها وجوده

  1. انسانية الادب : يتسم الفكر الاسلامي بالطابع الإنساني البعيد عن العنصورية والإستعلاء بالدم أو اللون. والتماس روح الاخاء البشري. ومفهوم الرحمة الكرامة والثقة المتبادلة. فلقد كان العرب أهل أريحية ووفاء ومروءة، وجاء الإسلام فعزز فيهم هذه القيم ونماها بدعوته إلى وحدة الجنس والبشري ورفع لواء الأخاء: كلكم لآدم وآدم من تراب، ليس لعربي على عجمى فضل إلا بالتقوى. ولذلك عرف الفكر الإسلامي بالتسامح وتقدير الأديان والكتب السماوية والأجناس بينما لم بتمكن الفكر الغربي التخلص عن بغضه واستعلائه الأديان والأجناس.
  2.  الاصالة : الأصالة هي الالتحاق بالجذور مع التفتح، والتحرر من التبعية فى نفس القت وقد دعا الإسلام إلى معارضة التقليد للأجنبى ةالاحتفاظ بالشخصية الذاتية. وأعلن حربا لاهوتية فيها على التقليد ودعا إلى إعلان التمييز بين فكر وفكر وكشف عن أن التقليد فقدان للشخصية والتبعية هي عبودية الفكر والعقل.
  3. الصدق :  الصدق والوضوح من أبرز معالم الإسلام التى أهداها إلى العدل العربي ولذلك يرفض الإسلام الأساطير والخرافات التى تتمثل فى ذلك الركام الزائف التى ليس له مصدر علمي ولا يثبت للبحث أمام البرهان.
  4. الوضوح : يبرز مفهوم الوضوح فى الفكر الإسلامي والأدب العربي فى مواجهة الظلال والرموز التى تميزت بها الآداب الأوربية. فالجو الصافي الشرق والنفس المؤمنة المتفائلة من شأنها أن يمدا الأدب بطابع الوضوح الخالص البعيد عن التعقيدات والزمزيات والأوهام.
  5. الايمان : عرف العرب الإيمان بالله والثقة به، وهو إيمان مضئ يقوم على الدليل والبرهان فقد هاجم الإسلام الخرافات والسحر والكهانة وطارد الأوهام والمعتقدات الباطلة وأنكر إدعاء علم الغيب واعتبر السحر كفرا وحرص على أن يرتفع المسلم بإيمانه على ضعف البشري. وفى مقابل الإيمان تبدو روح الشك والإرتياب فى الآداب الغربية ولا يرى الإسلام فى الإيمان مفهوما مضادا لمفهوم المعرفة كما هو الحال فى الأديان الأخرى ويرفض الإسلام الاقتصار على مفهوم المعرفة القائم على الحس والتجربة وحده.
  6. التفاؤل : الثقة بالله هي مصدر التفاؤل ولذلك فإن الأدب العربي لا يعرف التشاؤم على النحو الذى يتمثل فى الأدي الغربي. وأبرز معانى التفاؤل فى الفكر الإسلامى هو الثقة بالله ةالإيمان بأنه لاتزر وزرة وزر أخرى، لقد ساد الوجدان المتشائم فى الأدب الغربي نتيحة مايطلق عليه : الخطيئة الأصيلة. ومن ثم ظهرت آثاره على الآداب والفنون والفلسفة و الأخلاق. وطابع التشاؤم ليس له مكان فى الأدب العربي لا نقطاع أسبابه.
  7. الأخلاقية : القانون الأخلاقي أساس وطيد فى الفكر الإسلامى ومن ثم فى الأدب العربي فهو محور الدائرة لكل القيم. ومفهوم الأخلاق فى الإسلام يقوم على قيم ثابتة راسخة لا تتغير بتغير الزمن والبيئات.
  8. التكامل :يقوم مفهوم المعرفة فى الإسلام على أساس التكامل، إرتباطا بالانسان الذى يتكامل فى حياته الجسدية وحياته النفسية ةحياته الاجتماعية فالإسلام يشكل منهجا متكاملا يرتبط فيه العقل والجسم والعلم والدين والروح والمادة الدينا ةالآخرة.
  9. البرهان : دعا الإسلام إلى التماس البرهان فى كل حقيقة يعتقدها الإنسان وأنكر على المسلمين التقليد بعد معرفة الدليل. وقد هاجم الإسلام الخرافات والسحر والكهانة وطارد الأوهام والمعتقدات الباطلة وأنكر ادعاء علم الغيب واعتبر السح كفرا وحرص على أن يرتفع الإنسان بإيمانه عن الضعف البشري الذى يجعله العوبة فى يد أوهام الطوالع وأضاليل العرافين.
  10. الحرية ذات الضوابط : إن مفهوم الحرية فى الإسلام مفهوم شامل كامل. و تقوم الحرية فى مفهوم الإسلام على تحرير العقل الإنسانى من قيد الوثنية والجهل والخرافة والتقليد وتحرير النفس الإنسانية من الاستعباد والأدلال والفقر. ولا يقر الإسلام مفهوم الحرية بمعنى الإباحة والإنطلاق وينكر الإسلام إطلاق الشهوات.
  11. الالتزام و المسؤلبة : يقيم الإسلام قاعدته الاصيلة على الإلتزام الأخلاقى والمسؤلية الفردية وهو إلتزام قائم إزاء المجتمع مرتبط بالمسؤلية فى الأخرة فليس فى الإسلام خطيئة أصيلة. لأنه لا توجد مسؤلية عامة محددة ولذلك فإن موقف الإنسان من القدر واضح وصريخ. ويرتبط الإلتزام الفردي والمسؤ لية الأخلاقية بإقرار مفهوم البعث والحساب والجزاء، ولا ريب أن إقرار البعث مطابق للفطرة وأن إنكاره هوالذى يشكل التناقض العقلي.
  12. ثبات القيم : يقيم الإسلام ثبات القيم فى مواجهة نسبية  الأخلاق الغربية ويقيم مفهوم الثواب والمتغيرات فى وجه التطور المطلق غير المحدود.
  13. ترابط الفردية والجماعية : يجمع الإسلام بين الفردية والجماعية ويبنى الإنسان كفرد يجعله فى خدمة المجتمع. ولا يقر الإسلام الامتياز القائم على العنصر أو الجنس أو اللون أو الطبقة، وإنما يعرف مقياسا واحدا هو التقوى. فالفرد للجماعة والجماعة للفرد والكل للإسلام.
  14. ترابط العلم بالعمل : يربط الإسلام العلم بالعمل ويجعل تقييم البطولة بإحياء العمل والانتفاع به، ويرفض تطريم الفرد بتجسيد البطولة فى نموذج مادي وبذلك يعارض الإسلام مفهوم البطولة الوثنى القائم على الأحجار ويجعل تقدير الفرد بالعمل لا بالموروثات ولا بالعناصر أو الألوان وبذلك يدخض فكرة العنصرية أو الاستعلاء الجنسى أو اللون أو الطبقة، وحين يقرن الإسلام العلم بالعمل والمقيدة بالتطبيق يرفض مبدأ العلم لذاته ويقرر أن العلم يطلب من أجل العمل به ةالإستفادة منه فى تحسين الحياة الانسانية وتقدمها.
  15. الذاتية : لكل أمة ذاتيتها الخاصة وأدبها النابع من ذاتيتها. فالطابع الخاص هو أبرز طوابع الإسلام.والمعروف أن هناك أمورا عالمية مشتركة كالعالم والمعرفة وهماك أمورا ذاتية منها الثقافة والأخلاق والآداب والأذواق.
  16. الاعتراف برغبات الانسان : اعترف الإسلام برغبات الإنسان المادية. لقد نظر الإسلام إلى الجنس نظرة الفطرة وحرره من تعقيدات الرهبانية والرياضيات القاسية وأعلن أن الرغبات من طبيعة الإنسان التى لا سبيل إلى قمعها أو القضاء عليها ودعا إلى تحريرها من الأسراف ومن الجمود معا ووضع لها ضوابط من الإعتدال والعفة وأقامها فى دائرة الشريعة.
  17. التوحيد : أبرز دعائم الإسلام وبه يتبين وضوح الفارق وعمق الاختلاف فى المفهوم الديني والاجتماعي عالم الإسلام وبين الغرب. وقد جعل التوحيد لسلم القيم أولويات وخصص لها سبقها وتقدمها. وفى مقدمة سلم القيم : الجهاد والزكاة والعبادة.
  18.  الارتباط بالميراث : يرجع هذا الإرتباط إلى مصدر واحد هو أن التراث العربي الإسلامي ليس تراثا جامدا ولكنه ميراث متفاعل لم يتوقف عن الحركة، ولم ينفصل تاريخيا على النحو الذى انفصل فيه تراث اليونان عن أوربا الغربية فى عصر النهضة.
  19. التجريب : لما كان التجريب هو أبرز طوابع الفكر الإسلامى من حيث دعوة الله إلى الإنسان أن يسير فى الأرض وأن ينظر فى الطبيعة وأن يكتشف قوانين الكون فقد انتقلت البشرية بالإسلام من عصر التأمل النظرى والفكرى المجرد الذى عرف عن اليونان إلى عصر التجريب ووضع الجزئيات موضع الفحص العام وبذلك تكامل بالإسلام روح العلمى الحقيقى، وانتقلت البشرية  إلى عصر جديد فكان للإسلام فضله فى إنشاء المنهج العلمى التجريبي الذى تشكلت على أساسه الحضارة المعاصرة ولذلك فالتجريب طابع أصيل فى هذا الفكر وله أثر فى الأدب والعلم على السواء.
  20. الفطرة : قام الفكر الإسلامى على أساس فطرة الإنسان الأصيلة.
  21. قوامة الرجل : أقام الإسلام قانون قوامة الرجل فى نفس الوقت الذى أقام للمرأة كيانها وحقها ومساواتها وتميز الرجل بالقوامة فى الإسلام لا يجعل من ضعف المرأة عقابا إلهيا لها كما تحاول إدعاء ذلك بعض العقائد والمذاهب ولكنه يقيم التكامل ويحقق التوازن ويدفع المجتمع إلى الوجهة الصالحة ويجعل أمور الحياة متصلة على النحو الذى يحقق السلامة ويؤ كد الفطرة.
  22. تكامل المعرفة : يفرق الإسلام تفرقة واضحة بين مقاييس المفاهيم الإنسانية فالأخلاق والمجتمعات وشؤ ن الوجدان النفسى وغيره لاتخضع لمقاييس العلم المادي لذلك فإن تمجيد العقل واتخاذه سبيلا وحيدا للمعرفة ليس مفهوما إسلاميا أصيلا. فالإسلام يقيم منهجه فى المعرفة على تكامل القلبي والعقل وعبرة التاريخ وتراث الحضارات ويصل به إلى النفس والعقل جميعا.
  23. الوسطية : ينزع الفكر الإسلا مي نزعة الطب فى الوسطية فهو يعتبر الكائن الإنساني كلا متسقا فى حياته الجسدية وحياته النفسية وينظر إلى العوامل الروحية والمادية معا فى تشخيس الأحداث.

ح‌.      الاختتام

الفكر الذى تشكل الأدب العربي فى إطاره فهو القرآن أما أدة هذا الفكر فهي اللغة العربية ويقوم هذا الفكر على أساس التوحيد الخالص. فقاعدة الإسلام الأزلية هي الإعتقاد بوجود الله الواحد الأحد الذى لا يتغير بتغير الزمان والمكان، فالله سبحانه وتعالى خالق الكون وهو الذى يمسك هذا النظام المترابط فى كل لحظة بحيث لو تخلي عنه لتلاشى وانتهى وهو القائم على كل نفس بما كسبت. ثم هو عالم الغيب والشهادة، وهوالذى يقضى على هذا النظام متى شاء ثم يبعث الناس فى العالم الآخر من أجل الحساب والجزاء. هذا المفهوم هو أس الأساس فى الفكر الإسلامي، ومن ثم فهو لب الأدب العربي.

 

المراجع

أنور الجندى، 1997،  مقدمات العلوم والمناهج، (دار الأنصار)

أحمد الإسكندرى و مصطفى عننى، 1916،  الوسيط فى الأدل العربي وتاريخه، ( مصر : دار المعارف)

د. صلاح روى،2003، النحو العربي نشأته تطوره مدارسه رجاله، (القاهرة : دار غريب)

د. شكري عزيز ماضي، 2005، فى نظرية الأداب، (بيروت : الؤسسة العربية للدراسة والنشر)

أحمد الثايب، 1964، أصول النقد الأدبي، (القاهرة : مكتبة النهضة المصرية)

د. سمير سعيد حجازي، 1996،  المناهج المعاصرة لدراسة الأدب،(الكويت : دار الكتاب الجامعي)